ملفات سرية تزيح النقاب عن هيكل الدولة الإسلامية

ملفات سرية تزيح النقاب عن هيكل الدولة الإسلامية

Syria

خطط ضابط عراقي لتوغل الدولة الإسلامية في سوريا، وحصلت دير شبيغل على فرصة خاصة للوصول إلى أوراقه. وتظهر هذه الملفات منظمة تقوم بحساباتها ببرود، رغم أنها مدفوعة بالتعصب الديني.

يتذكر الثوار من شمال سوريا لقاءهم معه قبل أشهر، من خلال ذكر صفات مختلفة تمامًا عن الرجل: منعزل؛ مهذب؛ يقض للغاية؛ غير صادق؛ غامض. ولكنهم يتفقون على شيء واحد، هو: “لم نعرف أبدًا من الذي كنا نجلس على الجانب الآخر منه بالضبط“.

وفي الواقع، لم يكن حتى أولئك الذين قتلوه بعد تبادل وجيز لإطلاق النار في بلدة تل رفعت في يناير من عام 2014 يعرفون الهوية الحقيقية للرجل طويل القامة في أواخر الخمسينيات. ولم يدركوا أنهم قتلوا الرئيس الاستراتيجي للجماعة التي تطلق على نفسها اسم “الدولة الإسلامية”. وقد وضع الثوار الجثة في الثلاجة بهدف دفنها. ولكن، عندما أدركوا مدى أهمية الرجل، رفعوا جثته مرة أخرى.

وكان الاسم الحقيقي للرجل العراقي، الذين غطت وجهه لحية بيضاء، هو سمير عبد محمد الخليفاوي، ولكن لم يعرفه أحد بهذا الاسم. وحتى اسمه المستعار، حاجي بكر، لم يكن معروفًا على نطاق واسع. وكان هذا بالطبع جزءًا من الخطة؛ حيث إن هذا العقيد السابق في جهاز المخابرات الجوية لصدام حسين كان يعمل سرًا في الدولة الإسلامية لسنوات، وكان أعضاء سابقون في الجماعة قد ذكروه مرارًا وتكرارًا باعتباره واحدًا من رموزها. ومع ذلك، لم يكن واضحًا ما هو دوره في المجموعة بالضبط.

ولكن، مهندس الدولة الإسلامية ترك شيئًا سريًا جدًا وراءه بعد أن توفي، وهذا الشيء هو: مخطط هذه الدولة. إنه مجلد مليء بالخرائط التنظيمية المكتوبة بخط اليد، وبالقوائم والجداول الزمنية، التي تصف كيف يمكن إخضاع دولة كاملة تدريجيًا. وقد حصلت شبيغل على وصول حصري إلى صفحات الملف الـ 31.

ولأول مرة، تمكننا وثائق حاجي بكر من التوصل إلى استنتاجات بشأن كيفية تنظيم قيادة الدولة الإسلامية، والدور الذي يلعبه مسؤولون سابقون في حكومة صدام حسين في هذا التنظيم. وقبل كل شيء، تظهر هذه الوثائق كيف تم التخطيط للاستيلاء على الأراضي في شمال سوريا، مما جعل تقدم المجموعة إلى العراق في وقت لاحق ممكنًا. وبالإضافة إلى ذلك، تظهر أشهر البحوث التي أجريت من قبل شبيغل في سوريا، وكذلك سجلات أخرى مكتشفة حديثًا وحصرية لشبيغل، أن تعليمات حاجي بكر نفذت بدقة.

وكانت وثائق بكر مخبأة منذ فترة طويلة في ملحق منزل صغير في شمال سوريا المحاصرة. وكان أول من أبلغ عن وجودها هناك أحد شهود العيان الذين رأوا الأوراق في منزل بكر بعد فترة وجيزة من وفاته. وفي أبريل عام 2014، تم تهريب صفحة واحدة من الملف إلى تركيا، حيث كانت شبيغل قادرة على النظر فيه لأول مرة. ولم يكن من الممكن الوصول إلى تل رفعت لتقييم المجموعة الكاملة من الأوراق المكتوبة بخط اليد حتى نوفمبر 2014.

image-836847-panoV9free-tpii

(تظهر هذه الوثيقة رسم حاجي بكر لهيكل إدارة الدولة الإسلامية)

وقال الرجل الذي أخفى ملاحظات حاجي بكر: “كان همنا الأكبر هو أن هذه الخطط قد تقع في الأيدي الخطأ، وأنها لن تصبح معروفة“. ولا يرغب هذا الرجل بالكشف عن هويته، خوفًا من فرق موت الدولة الإسلامية.

الخطة الرئيسة

تبدأ قصة هذه المجموعة من الوثائق في وقت لم يكن فيه سوى قليلين قد سمعوا بعد بـ “الدولة الإسلامية”. وعندما سافر الرجل عراقي الجنسية، حاجي بكر، إلى سوريا كجزء من مجموعة صغيرة في أواخر عام 2012، كان لديه خطة تقول بأن “الدولة الإسلامية” سوف تستولي على أكبر قدر ممكن من الأراضي في سوريا. وسوف تقوم بعدها باستخدام سوريا بمثابة رأس جسر لغزو العراق.

وأقام بكر في منزل متواضع في تل رفعت، إلى الشمال من حلب. وكانت هذه المدينة خيارًا جيدًا؛ حيث إنه، وفي الثمانينيات، ذهب الكثير من سكانها للعمل في دول الخليج، وخاصةً في المملكة العربية السعودية. وعندما عادوا، جلب بعضهم معه قناعات واتصالات متطرفة. وفي عام 2013، أصبحت تل رفعت معقل “الدولة الإسلامية” في محافظة حلب، وتمركز فيها مئات من مقاتلي المجموعة.

وهناك، رسم “سيد الظل”، كما يصفه البعض، هيكل الدولة الإسلامية من الأعلى وصولًا إلى المستوى المحلي. وباستخدام قلم حبر جاف، رسم بكر التسلسل القيادي للأجهزة الأمنية على القرطاسية التي كانت من قرطاسيات وزارة الدفاع السورية، وتحمل ترويسة القسم المسؤول عن أماكن الإقامة والأثاث في الوزارة.

وما وضعه بكر على الورق لم يكن بيان إيمان؛ بل خطة دقيقة من الناحية الفنية لـ “دولة المخابرات الإسلامية”، والخلافة التي تديرها منظمة تشبه وكالة الاستخبارات الداخلية سيئة السمعة في ألمانيا الشرقية، ستاسي.

image-837574-panoV9free-wvvm

(تصميم رقمي للهيكل التنظيمي الذي وضعه حاجي بكر للدولة الإسلامية)

وقد تم تنفيذ هذا المخطط بدقة مذهلة في الأشهر التي تلت ذلك. وكانت الخطة تبدأ دائمًا مع نفس التفاصيل: تجند المجموعة الأتباع تحت ذريعة افتتاح مكتب الدعوة، وهو مركز التبشير الإسلامي. ومن بين أولئك الذين جاؤوا للاستماع إلى المحاضرات وحضور دورات عن الحياة الإسلامية، يتم اختيار واحد أو اثنين من الرجال للتجسس على قريتهم والحصول على مجموعة واسعة من المعلومات. وتحقيقًا لهذه الغاية، ضمت قوائم حاجي بكر معلومات من قبيل:

– قائمة الأسر القوية.

– تسمية الأفراد الأقوياء في هذه العائلات.

– معرفة مصادر دخلهم.

– تسمية أسماء وأحجام ألوية (الثوار) في القرية.

– معرفة أسماء قادتهم، والمسيطرين على الألوية، وميولهم السياسية.

– معرفة أنشطتهم غير المشروعة (وفقًا لأحكام الشريعة)، والتي من الممكن استخدامها لابتزازهم إذا لزم الأمر.

وطلب من الجواسيس ملاحظة تفاصيل مثل ما إذا كان شخص ما مجرمًا أو مثلي الجنس، أو ما إذا كان متورطًا في علاقة سرية، ليكون ذخيرة للابتزاز في وقت لاحق. ولاحظ بكر: “سوف نعين أذكاهم كشيوخ شريعة“. وأضاف: “سوف نقوم بتدريبهم لفترة من الوقت ونقوم بإرسالهم بعدها“. وكتب بكر أيضًا أنه سيتم تحديد العديد من “الإخوة” في كل مدينة للزواج من بنات الأسر الأكثر نفوذًا، من أجل “ضمان التغلغل في هذه العائلات من دون علمها“.

وكان على الجواسيس معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عن البلدات المستهدفة: من يعيش هناك، ومن المسؤول، وأي الأسر تعد متدينة، وإلى أي مدرسة فقه إسلامي ينتمون، وكم من المساجد هناك، ومن هو الإمام، وكم عدد زوجات وأطفال الإمام وما هي أعمارهم. وتضمنت التفاصيل الأخرى التي كان على الجواسيس جمعها معلومات حول طبيعة خطب الإمام، وسواءً كان الإمام أكثر انفتاحًا على الصوفية، على المعارضة، أو النظام، وما هو موقفه من الجهاد. كما أراد بكر إجابات على أسئلة مثل: هل يأخذ الإمام راتبًا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن يدفع له هذا الراتب؟ وأخيرًا: كم من الناس في القرية هم من أبطال الديمقراطية؟

وباختصار، كان من المفترض أن يقوم العملاء بجمع أي معلومات من الممكن استخدامها لتقسيم وإخضاع السكان المحليين. وكان من بين المخبرين جواسيس سابقون في مخابرات النظام، وأيضًا، معارضون للنظام كانوا قد تشاجروا مع الجماعات الثائرة. وكان بعضهم كذلك من الشبان والمراهقين الذين يحتاجون المال أو وجدوا هذا العمل مثيرًا وشيقًا. وكان معظم الرجال على قائمة مخبري حاجي بكر في أوائل العشرينيات من أعمارهم، والبعض الآخر لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة.

وتضمنت خطط بكر شؤونًا أخرى مثل التمويل، والمدارس، وحضانات الأطفال، ووسائل الإعلام، والنقل. ولكن هناك موضوع أساسي، متكرر باستمرار، ومخطط له بدقة، في الخرائط وقوائم المسؤوليات التنظيمية ومتطلبات الإبلاغ، وهو موضوع المراقبة، والتجسس، والقتل، والخطف.

ولكل مجلس محافظة، خطط بكر لوضع أمير، أو قائد، ليكون مسؤولًا عن جرائم القتل والاختطاف والقناصة والاتصالات والتشفير. وخطط بكر كذلك لوضع أمير للإشراف على الأمراء الآخرين، “في حال لم يؤدوا وظائفهم بشكل جيد“. وكان الهدف هو جعل الجميع يراقبون بعضهم البعض.

(رسم بياني بخط اليد يظهر أفكار بكر بشأن إنشاء الدولة الإسلامية)

وبالتالي، خدمت الشريعة والمحاكم والتقوى هدفًا واحدًا، هو المراقبة والتحكم. وحتى الكلمة التي استخدمها بكر لوصف إعداد المسلمين الحقيقيين، وهي كلمة تكوين، ليست دينية؛ بل هي مصطلح فني ركيك لا يستخدم إلا في الجيولوجيا أو البناء. وقبل 1200 سنة، استخدمت هذه الكلمة من قبل الكيميائيين الشيعة لوصف خلق حياة اصطناعية. وفي القرن التاسع، كتب الفارسي جابر بن حيان في “كتاب الأحجار”، “إن الهدف هو خداع كل شيء، ما عدا أولئك الذين يحبون الله“. وقد يكون هذا الوصف جاء متناسبًا مع أهواء استراتيجي الدولة الإسلامية، على الرغم من أن الجماعة ترى الشيعة على أنهم مرتدون عن الإسلام الحقيقي.

البدايات في العراق

قد يبدو أن جورج أورويل هو النموذج لجنون المراقبة هذا، ولكن الأمر أبسط من ذلك بكثير؛ حيث لم يفعل بكر شيئًا سوى استغلال ما تعلمه في الماضي من أجهزة صدام حسين الأمنية المنتشرة في كل مكان، والتي لا يستطيع أحد معها، ولا حتى الجنرالات في جهاز المخابرات، أن يكون على يقين بأنه غير معرض للتجسس عليه.

ووصف الكاتب العراقي، كنعان مكية، “جمهورية الخوف” هذه في أحد كتبه باعتبارها البلاد التي من الممكن أن يختفي أي شخص فيها ببساطة، والتي كان من الممكن لصدام تنصيب نفسه رسميًا كرئيس لها في عام 1979 من خلال عرض مؤامرة وهمية.

وهناك سبب بسيط أيضًا لعدم وجود أي ذكر في كتابات بكر للنبوءات المتعلقة بإنشاء دولة إسلامية: كان يعتقد بأن المعتقدات الدينية المتعصبة وحدها لم تكن كافية لتحقيق النصر. ولكنه اعتقد بالمقابل بأنه من الممكن استغلال إيمان الآخرين.

وفي عام 2010، نصب بكر، ومجموعة صغيرة من ضباط المخابرات العراقيين السابقين، أبا بكر البغدادي، زعيمًا رسميًا للدولة الإسلامية. وظن هؤلاء أن البغدادي، وهو رجل دين متعلم، من شأنه أن يعطي للمجموعة وجهًا دينيًا.

ويقول الصحافي العراقي، هشام الهاشمي، متذكرًا الضابط السابق الذي كان متمركزًا مع ابن عم الهاشمي في قاعدة الحبانية الجوية، إن بكر كان “وطنيًا، وليس إسلاميًا“. ويضيف: “العقيد سمير كان ذكيًا للغاية، وحازمًا، ولوجستيًا ممتازًا“. ولكن عندما قام بول بريمر، الذي كان رئيسًا لسلطة الاحتلال الأمريكي في بغداد حينها، بحل الجيش بموجب مرسوم مايو 2003، “أصبح سمير يشعر بالمرارة وعاطلًا عن العمل“.

وتمت سرقة أرزاق الآلاف من الضباط السنة المدربين تدريبًا جيدًا بجرة قلم. وبذلك، خلقت أمريكا أعداءها الأكثر مرارةً وذكاءً. والتقى بكر أبا مصعب الزرقاوي في محافظة الأنبار في غرب العراق. وكان الزرقاوي، وهو أردني المولد، قد أدار من قبل معسكر تدريب “إرهابي” دولي في أفغانستان. وبدءًا من عام 2003، اكتسب الزرقاوي سمعة عالمية سيئة باعتباره العقل المدبر لهجمات ضد الأمم المتحدة والقوات الأمريكية والشيعة. وكان أكثر راديكالية حتى من زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن. ومات الزرقاوي في غارة جوية أمريكية في عام 2006.

وعلى الرغم من أن حزب البعث المهيمن في العراق كان علمانيًا، اشترك النظامان في نهاية المطاف في الإيمان بأن السيطرة على الجماهير يجب أن تكون في أيدي نخبة صغيرة تحكم باسم خطة كبرى، تكتسب مشروعيتها إما من الله أو من أمجاد التاريخ العربي. ويكمن سر نجاح الدولة الإسلامية في الجمع بين الأضداد، وهي المعتقدات المتعصبة للمجموعة الأولى والحسابات الاستراتيجية للمجموعة الأخرى.

وأصبح بكر تدريجيًا واحدًا من القادة العسكريين في العراق، واحتجز بين عامي 2006 و2008 في سجن الجيش الأمريكي في معسكر بوكا، وفي سجن أبو غريب. وقد نجا بكر من محاولات الاعتقال والقتل من قبل وحدات خاصة أمريكية وعراقية.

وبالنسبة لبكر وعدد من كبار الضباط السابقين، وفر هذا الوقت الفرصة للاستيلاء على السلطة في دائرة أصغر كثيرًا من الجهاديين. وقد استخدم هؤلاء الوقت الذي قضوه في معسكر بوكا في إنشاء شبكة واسعة من الاتصالات. وكان كبار القادة يعرفون بعضهم البعض بالفعل منذ فترة طويلة.

وفي عام 2010، بدت فكرة محاولة هزيمة قوات الحكومة العراقية عسكريًا بلا جدوى. ولكن، منظمة سرية قوية بدأت تتشكل من خلال أعمال الإرهاب. وعندما اندلعت الانتفاضة ضد ديكتاتورية عائلة الأسد في سوريا المجاورة، لمس قادة التنظيم وجود فرصة سانحة. وبحلول أواخر عام 2012، كانت القوات الحكومية قد قهرت وطردت إلى حد كبير، خاصةً في الشمال السوري. وبدلًا من تلك القوات، تواجدت هناك مئات من المجالس المحلية وألوية الثوار، كجزء من مزيج فوضوي لا يستطيع أحد تتبعه. وكانت هذه الفوضى حالة من الضعف سعت المجموعة المنظمة بشكل محكم من الضباط السابقين إلى استغلالها.

وإذا ما وضعنا جانبًا تسميتها كمجموعة جهادية، سنجد أن الدولة الإسلامية لا تشترك إلا بالقليل من القواسم المشتركة مع أسلافها في تنظيم القاعدة؛ حيث إنه ليس هناك في الأساس شيء ديني في أفعالها، وتخطيطها الاستراتيجي، وفي تغييرها للتحالفات، وفي دعايتها. والإيمان، حتى في أكثر أشكاله تطرفًا، هو مجرد واحدة من العديد من الوسائل التي تستخدمها المجموعة لتحقيق غايتها. وهدف الدولة الإسلامية المستمر الوحيد هو التوسع في النفوذ بأي ثمن.

تنفيذ الخطة

بدأ توسع الدولة الإسلامية بطريقة مبهمة لدرجة أنه كان على العديد من السوريين أن يفكروا للحظة: متى ظهر الجهاديون في وسطهم؟ وكانت مكاتب الدعوة التي تم فتحها في العديد من المدن في شمال سوريا في ربيع عام 2013 مكاتب تبشيرية بريئة المظهر، لا تختلف عن تلك التي افتتحتها الجمعيات الخيرية الإسلامية في جميع أنحاء العالم.

وعندما افتتح مكتب الدعوة في الرقة، “كان كل ما يقوله القائمون عليه إنهم إخوة، ولم يقولوا كلمة واحدة عن الدولة الإسلامية“، وفقًا لما قاله طبيب فر من المدينة. وافتتح مكتب آخر للدعوة في منبج، وهي مدينة ليبرالية في محافظة حلب، في ربيع عام 2013. وعن هذا يقول ناشط حقوقي من المدنية: “لم ألاحظه حتى في البداية. كان من المسموح لأي شخص فتح ما يشاء. لم نكن نشتبه في أن أي شخص آخر غير عناصر النظام سوف يشكل تهديدًا لنا. وفقط عندما اندلع القتال في يناير/كانون الثاني، علمنا أن داعش كانت قد استأجرت بالفعل العديد من الشقق، حيث يمكنها تخزين الأسلحة وإخفاء رجالها“.

وقد كان الوضع مماثلًا في مدن الباب، والأتارب، وإعزاز. كما وافتتحت مكاتب الدعوة أيضًا في محافظة إدلب المجاورة في أوائل عام 2013، وتحديدًا في مدن سرمدة، كفر تخاريم، الدانة، وسلقين. وبمجرد تحديدها لعدد كاف من “الطلاب” الذين من الممكن تجنيدهم كجواسيس، وسعت الدولة الإسلامية وجودها. وفي الدانة، تم استئجار مبان إضافية، ورُفعت أعلام سوداء، وتم إغلاق الشوارع. وفي المدن التي كان فيها الكثير من المقاومة أو التي لم تتمكن فيها الدولة الإسلامية من تأمين ما يكفي من المؤيدين، اختارت داعش الانسحاب مؤقتًا. وفي البداية، كان نهج التنظيم قائمًا على مبدأ التوسع دون مخاطرة، واختطاف أو قتل “الأفراد العدائيين”، مع نفي أي تورط في هذه الأنشطة الشائنة في الوقت نفسه.

وبقي المقاتلون متخفين أيضًا في البداية. وفي الواقع، حظرت المجموعة صراحةً على مقاتليها العراقيين الذهاب إلى سوريا أول الأمر. كما واختارت عدم تجنيد عدد كبير جدًا من السوريين. وبدلًا من ذلك، اختار قادة الدولة الإسلامية الخيار الأكثر تعقيدًا؛ حيث قرروا جمع فريقهم من المتطرفين الأجانب الذين كانوا قد توافدوا إلى المنطقة منذ صيف عام 2012. وكان على الطلاب القادمين من المملكة العربية السعودية، وموظفي المكاتب القادمين من تونس، والمتسربين من المدارس من أوروبا، تجربة تشكيل جيش مع أصحاب الخبرة في المعارك من الشيشان والأوزبك.

وبحلول نهاية عام 2012، أقيمت معسكرات لهذا الجيش في عدة أماكن. وفي البداية، لم يكن أحد يعرف إلى أي الجماعات تنتمي هذه المعسكرات. وكانت أماكن التدريب هذه منظمة بعناية، ولم يكن رجالها القادمون من دول عديدة يقبلون بالتحدث إلى الصحفيين. وكان عدد قليل جدًا منهم من العراق.

وتلقى القادمون الجدد شهرين من التدريب، وتم تلقينهم طاعة القيادة المركزية دون قيد أو شرط. وعلى الرغم من الفوضى في البداية، كانت النتيجة ظهور قوات موالية تمامًا؛ حيث لم يكن الأجانب يعرفون أحدًا خارج نطاق المعسكر، ولم يكن لديهم أي سبب لإظهار الرحمة، وكان من الممكن إعادة نشرهم بسرعة إلى العديد من الأماكن المختلفة. وشكلت كل هذه المزايا تناقضًا صارخًا مع الثوار السوريين، الذين تركزوا في معظمهم للدفاع عن بلداتهم، وكان عليهم رعاية أسرهم، والمساعدة في موسم الحصاد. وفي خريف عام 2013، أشارت كتب الدولة الإسلامية إلى امتلاكها لـ 2650 مقاتلًا من الأجانب في محافظة حلب وحدها. ومثل التونسيون ثلث هذا الرقم، وتلاهم السعوديون والأتراك والمصريون، وبأعداد أقل، الشيشان والأوروبيون والإندونيسيون.

وعلى الرغم من أن الثوار لم يكونوا على ثقة بالجهاديين؛ إلا أنهم لم يوحدوا قواتهم لتحدي الدولة الإسلامية لأنهم لم يريدوا المخاطرة بفتح جبهة ثانية. وقد زادت الدولة الإسلامية من نفوذها من خلال اتباع خدعة بسيطة، هي أن رجالها كانوا يرتدون أقنعة سوداء دائمًا، وهو ما لا يجعلهم مرعبين فقط؛ بل ويجعل من الصعب أيضًا معرفة أعدادهم الفعلية.

السيطرة على الرقة

عندما سقطت الرقة بيد الثوار في مارس 2013، تم انتخاب مجلس المدينة بسرعة، ونظم المحامون والأطباء والصحفيون أنفسهم، وتم تأسيس الجمعيات النسائية، وجمعية الشباب الحر، وعشرات غيرها من المبادرات. وبدى حينها أن أي شيء كان ممكنًا في الرقة. ولكن من وجهة نظر بعض الذين فروا من المدينة، كان كل ذلك أيضًا بدايةً لسقوطها.

وتمامًا كما تقول خطة حاجي بكر، أعقبت مرحلة التسلل مرحلة القضاء على كل شخص من المحتمل أن يصبح زعيمًا أو خصمًا. وكان أول شخص على قائمة داعش هو رئيس مجلس المدينة، الذي اختطف في منتصف مايو 2013 من قبل ملثمين. وكان الشخص التالي الذي اختفى شقيقًا لروائي بارز. وبعد يومين، اختفى الرجل الذي قاد المجموعة التي رسمت علم الثورة على جدران المدينة. وقال واحد من أصدقاء هذا الرجل: “لم تكن لدينا أي فكرة عمن قاموا بخطفه“.

وبدأ نظام الخوف بالانتشار. ومنذ يوليو، اختفى العشرات ومن ثم المئات من الناس. وعثر على جثث بعضهم أحيانًا، ولكنهم عادةً ما اختفوا دون أي أثر. وفي أغسطس، أرسلت القيادة العسكرية للدولة الإسلامية عدة سيارات يقودها انتحاريون إلى مقر لواء الجيش الحر، “أحفاد الرسول”، مما أسفر عن مقتل العشرات من المقاتلين، واضطر باقي أعضاء القيادة للفرار. وكانت قيادة داعش قد عقدت شبكة من الصفقات السرية مع الألوية المعارضة، بحيث تعتقد كل منها بأن الآخرين فقط هم من قد يكونون أهدافًا لهجمات التنظيم.

وفي يوم 17 أكتوبر 2013، دعت الدولة الإسلامية كل قادة المجتمع المدني، ورجال الدين، والمحامين في المدينة لعقد اجتماع. ومن بين الـ 300 شخص الذين حضروا الاجتماع، تحدث اثنان فقط ضد عمليات الاستيلاء المستمر، والخطف، والقتل، التي ترتكبها داعش.

وكان واحدًا من هذين الشخصين هو مهند حبايبنا، وهو ناشط حقوقي وصحفي معروف في المدينة. وقد عثر على مهند بعد خمسة أيام مقيدًا ومقتولًا بطلق ناري في رأسه. وتلقى أصدقاء مهند رسالة في البريد الإلكتروني مجهولة المصدر مع صورة لجثته، تضمنت جملة واحدة فقط: “هل أنت حزين على صديقك الآن؟“. وخلال ساعات، فرّ نحو 20 شخصًا من قيادات المعارضة إلى تركيا، وكانت الثورة في الرقة قد وصلت إلى نهايتها.

وبعد وقت قصير، أعلن 14 من رؤساء أكبر العشائر في المدينة الولاء للأمير أبي بكر البغدادي. وكان هؤلاء هم نفس شيوخ العشائر الذين حلفوا بالولاء الثابت للرئيس السوري بشار الأسد قبل عامين فقط.

وفاة حاجي بكر

حتى نهاية عام 2013، كان كل شيء يسير وفقًا لخطة الدولة الإسلامية، أو على الأقل، وفقًا لخطة حاجي بكر. وكانت الخلافة تتوسع من قرية إلى أخرى دون أن تواجه مقاومة موحدة من الثوار السوريين. وفي الواقع، كان يبدو أن الثوار أصيبوا بالشلل في مواجهة قوة الدولة الإسلامية الشريرة.

ولكن، عندما قام أتباع داعش بتعذيب زعيم وطبيب محبوب من قبل الثوار، ومن ثم إعدامه في ديسمبر/كانون الأول عام 2013، حدث شيء غير متوقع؛ حيث انضمت الألوية السورية، سواءً العلمانية منها أو التابعة لجبهة النصرة المتشددة، معًا لشن معركة ضد الدولة الإسلامية في جميع أنحاء البلاد. ومن خلال مهاجمة كل مواقعها في نفس الوقت، تمكن الثوار من تجريد داعش من ميزتها التكتيكية، وهي القدرة على التحرك بسرعة عبر البلاد.

وفي غضون أسابيع، تم دفع الدولة الإسلامية خارج مناطق واسعة من شمال سوريا. وحتى الرقة، وهي عاصمة الدولة الإسلامية، كادت تسقط تقريبًا قبل وصول 1300 مقاتل من داعش من العراق. ولم ينضم هؤلاء المقاتلون ببساطة إلى المعركة. وبدلًا من ذلك، ووفقًا لما يقوله الطبيب الذي هرب من المدينة: “في الرقة، كان هناك الكثير من الألوية في المعركة لدرجة أن لا أحد كان يعرف بالضبط من هم الآخرون. وفجأةً، بدأت مجموعة ترتدي ثياب الثوار بإطلاق النار على الثوار الآخرين. وفروا جميعًا بكل بساطة“.

وقد ساعدت هذه الحفلة التنكرية الصغيرة والبسيطة في فوز مقاتلي الدولة الإسلامية، وكل ما قاموا به هو تغيير ملابسهم السوداء، وارتداء الجينز والسترات الواقية. وقد فعل التنظيم الشيء نفسه في بلدة جرابلس الحدودية. وفي عدة مناسبات، ألقى الثوار القبض على انتحاريين من داعش. وتساءل هؤلاء الأسرى: “أنتم من السنة أيضًا؟ لقد قال لنا أميرنا إنكم كفار من جيش الأسد؟“.

وبقي حاجي بكر في مدينة تل رفعت الصغيرة، حيث كان للدولة الإسلامية اليد العليا. ولكن مع هجوم الثوار في نهاية يناير/كانون الثاني عام 2014، أصبحت المدينة منقسمة في غضون بضع ساعات فقط. وبقي نصفها تحت سيطرة الدولة الإسلامية، في حين انتزع النصف الآخر من قبل أحد ألوية الثوار المحلية. وكان حاجي بكر عالقًا في النصف الخطأ.

ومن أجل البقاء متخفيًا، امتنع بكر عن الانتقال إلى أحد الأحياء الواقعة تحت سيطرة الدولة الإسلامية. وتعرض عراب الوشاية للوشاية من قبل أحد الجيران، الذي قال: “شيخ من شيوخ داعش يعيش في البيت المجاور!“. وذهب قائد محلي مع رجاله إلى منزل بكر، وفتحت امرأة الباب قائلةً بفظاظة: “زوجي ليس هنا“. فقال الثوار: “لكن سيارته واقفة خارجًا“.

وفي تلك اللحظة، ظهر حاجي بكر عند الباب في ملابس النوم. وأمره الثوار بأن يذهب معهم؛ إلا أن “بكر” احتج قائلًا بأنه يريد تغيير ملابسه. فكرر الثوار: “تعال معنا على الفور!“.

وبرشاقة مثيرة للدهشة بالنسبة لعمره، قفز بكر إلى الوراء وركل الباب مغلقًا إياه، وفقًا لاثنين من الناس الذين شهدوا الحادث. واختبأ بكر بعدها تحت الدرج، وصاح: “لدي حزام ناسف. سوف أنسفكم جميعًا!” ومن ثم خرج مع كلاشنيكوف وبدأ بإطلاق النار. وقام قائد وحدة الثوار بقتله.

وعندما علم الرجال في وقت لاحق من كان الشخص الذي قتلوه، قاموا بتفتيش المنزل، وأخذوا أجهزة الكمبيوتر، وجوازات السفر، وبطاقات الهاتف المحمول، والأهم من ذلك كله، الأوراق. ولكنهم لم يجدوا أي نسخة من القرآن الكريم في أي مكان من المنزل.

وبعد مقتل حاجي بكر، أخذ الثوار المحليون زوجته إلى السجن. وفي وقت لاحق، بادل الثوار زوجته مع داعش بمقابل إفراج التنظيم عن رهائن أتراك بناءً على طلب أنقرة.

مجموعة أخرى من المستندات

استمرت دولة حاجي بكر بالعمل حتى من دون منشئها. وجاء اكتشاف ملف آخر من الوثائق ليبين كيف تم تنفيذ خطط بكر بالضبط؛ حيث إنه، وعندما اضطرت الدولة الإسلامية للتخلي بسرعة عن مقرها في مدينة حلب، في يناير/كانون الثاني عام 2014، حاول عناصرها حرق الأرشيف، ولكنهم واجهوا مشكلة مماثلة لتلك التي واجهت الشرطة السرية في ألمانيا الشرقية قبل 25 عامًا: لقد كان لديهم العديد من الملفات.

وبقيت بعض هذه الملفات سليمة وانتهت مع لواء التوحيد، الذي كان أكبر جماعة ثائرة في حلب في ذلك الوقت. وبعد مفاوضات مطولة، وافق اللواء على تقديم الأوراق لشبيغل، مانحًا إياها حقوق النشر الحصرية. وقد منح اللواء المجلة كل شيء، ما عدا قائمة جواسيس الدولة الإسلامية داخل لواء التوحيد نفسه.

وتكشف دراسة مئات الصفحات من الوثائق عن نظام معقد للغاية، ينطوي على إجراء عمليات التسلل والمراقبة ضد جميع الجماعات، بما في ذلك أفراد الدولة الإسلامية. وتضمن أرشيف الجهاديين قوائم طويلة لمخبري المجموعة ضمن ألوية الثوار والميليشيات الحكومية. وتضمنت أيضًا قوائم بجواسيس مخابرات الأسد ضمن فصائل الثوار.

وأرادت الدولة الإسلامية معرفة كل شيء، ولكنها أرادت في الوقت نفسه أيضًا، خداع الجميع حول أهدافها الحقيقية. ويسرد أحد التقارير، على سبيل المثال، كل الذرائع التي تستطيع الدولة الإسلامية استخدامها لتبرير الاستيلاء على أكبر مطحنة دقيق في شمال سوريا. وفي حين تضمنت هذه الأعذار عمليات الاختلاس المزعومة والسلوك الفاجر لعمال المصنع، كان الواقع الذي أريد له أن يبقى طي الكتمان هو أنه كان يجب الاستيلاء على جميع المرافق الهامة استراتيجيًا، مثل المخابز الصناعية، وصوامع الحبوب، ومولدات الطاقة، وإرسال معداتها إلى عاصمة الخلافة في الرقة.

وتكشف الوثائق مرارًا وتكرارًا عن وجود التزام بخطط حاجي بكر لإنشاء الدولة الإسلامية، مثل خطوة الزواج من فتيات الأسر المؤثرة. وشملت الملفات من حلب أيضًا قائمة بأسماء 34 من المقاتلين الذين يريدون زوجات، بالإضافة إلى الاحتياجات المحلية الأخرى. وعلى سبيل المثال، أشار أبو لقمان وأبو يحيى التونسي إلى أنهما بحاجة إلى شقة. وطلب أبو صهيب وأبو أحمد أسامة أثاثًا لغرفة نوم. وطلب أبو البراء الدمشقي الحصول على المساعدة المالية، بالإضافة إلى مجموعة كاملة من الأثاث، في حين أراد أبو عزمي غسالة أوتوماتيك.

تغيير التحالفات

وفي الأشهر الأولى من عام 2014، بدأ إرث آخر من حاجي بكر لعب دور حاسم، وهو علاقته لعقد من الزمن بأجهزة استخبارات الأسد.

وكان نظام دمشق يشعر بالذعر في عام 2003 من أن الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، جورج دبليو بوش، وبعد انتصاره على صدام حسين، سيواصل نشر قواته إلى سوريا لإسقاط الأسد أيضًا. وفي السنوات التالية، نظم مسؤولو الاستخبارات السورية نقل الآلاف من المتطرفين من ليبيا، والسعودية، وتونس، إلى تنظيم القاعدة في العراق. ودخل 90 في المئة من المهاجمين الانتحاريين إلى العراق عبر الطريق السوري. ونشأت علاقة غريبة بين الجنرالات السوريين، والجهاديين الدوليين، والضباط العراقيين السابقين الذين كانوا موالين لصدام.

وكان الهدف الأساسي في ذلك الوقت هو جعل حياة الأمريكيين في العراق جحيمًا. ولكن بعد عشر سنوات، أصبح لدى بشار الأسد دافع مختلف لبث الحياة من جديد في ذلك التحالف؛ حيث أراد أن يبيع نفسه للعالم باعتباره أهون الشرور. وتميزت علاقة النظام مع الدولة الإسلامية، تمامًا كما كانت علاقته مع سابقتها قبل عقد، بالبراغماتية التكتيكية. ولم يكن لدى زعماء الدولة الإسلامية مشكلة في تلقي المساعدة من سلاح جو الأسد، على الرغم من كل تعهدات المجموعة بإبادة الشيعة المرتدين. ومنذ يناير/كانون الثاني عام 2014، قامت الطائرات السورية بانتظام بدك مواقع الثوار أثناء معارك بينهم وبين داعش.

وفي معارك بين الدولة الإسلامية والثوار في يناير/كانون الثاني عام 2014، قصفت طائرات الأسد مواقع الثوار فقط بانتظام، في حين أمر أمير الدولة الإسلامية مقاتليه بالامتناع عن إطلاق النار على الجيش السوري. وأدى هذا حينها إلى شعور العديد من المقاتلين الأجانب بخيبة أمل عميقة، حيث كانوا يتصورون الجهاد بطريقة مختلفة.

ورمت الدولة الإسلامية بترسانتها كاملة ضد الثوار، مرسلةً الانتحاريين لشن هجمات ضدهم في غضون أسابيع قليلة ما هو أكثر مما استخدمته الدولة الإسلامية خلال العام السابق بأكمله ضد الجيش السوري. وبفضل الضربات الجوية الإضافية، كانت داعش قادرة على استعادة الأراضي التي كانت قد فقدتها لفترة وجيزة.

وليس هناك ما يرمز إلى التحول التكتيكي للتحالفات أكثر من مصير اللواء 17 في الجيش السوري؛ حيث كانت هذه القاعدة العسكرية المعزولة قرب الرقة تحت حصار الثوار لأكثر من عام. ولكن وحدات الدولة الإسلامية هزمت الثوار هناك لاحقًا، وأصبح سلاح جو الأسد قادرًا مرة أخرى على استخدام القاعدة في إطلاق هجماته الجوية دون الخوف من التعرض للهجوم.

ولكن بعد نصف سنة، وتحديدًا إثر احتلالها للموصل وسيطرتها على مستودع ضخم للأسلحة هناك، شعرت الدولة الإسلامية بأنها قوية بما يكفي لمهاجمة أعوانها السابقين، واجتاح مقاتلوها اللواء 17، وذبحوا جنوده.

ما الذي قد يحمله المستقبل؟

ولدت النكسات التي تعرضت لها الدولة الإسلامية في الأشهر الأخيرة، مثل هزيمتها في القتال من أجل الحصول على الجيب الكردي، كوباني، وفقدانها لمدينة تكريت العراقية، الانطباع بأن نهاية الدولة الإسلامية اقتربت. ولكن، هذا التفاؤل سابق لأوانه على الأرجح. وقد تكون الدولة الإسلامية فقدت بالفعل العديد من المقاتلين؛ إلا أنها واصلت التوسع في سوريا.

ومن الصحيح أيضًا أن التجارب الجهادية في حكم منطقة جغرافية محددة فشلت في الماضي؛ إلا أن ذلك حدث في الغالب بسبب عدم معرفة الجهاديين بطرق إدارة هذه المناطق، أو حتى الدول. وهذه هي بالضبط نقطة الضعف التي ركز عليها استراتيجيو الدولة الإسلامية منذ فترة طويلة. وضمن “الخلافة”، شيد من هم في السلطة نظامًا أكثر استقرارًا ومرونة مما يبدو عليه من الخارج.

وقد يكون أبو بكر البغدادي الزعيم رسميًا؛ إلا أنه ليس من الواضح مدى السلطة التي يتمتع بها. وفي أي حال، عندما اتصل مبعوث رئيس تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، بالدولة الإسلامية، كان قد اختار التواصل مع حاجي بكر، وضباط مخابرات آخرين، وليس مع البغدادي. وبعد ذلك، شكا المبعوث قائلًا إن “هذه الثعابين الزائفة تقوم بخيانة الجهاد الحقيقي“.

وتعد الدولة الإسلامية قادرة على استشعار جميع أنواع الثورات الداخلية وخنقها. ويوفر هيكل المراقبة في الوقت نفسه فرصة مفيدة لاستغلال رعاياها ماليًا.

وقد أدت الضربات الجوية من قبل قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة إلى تدمير آبار النفط والمصافي. ولكن لا أحد يمنع السلطات المالية للخلافة من الحصول على المال من الملايين من الناس الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية في شكل ضرائب ورسوم جديدة، أو ببساطة عن طريق مصادرة الممتلكات. وتعرف الدولة الإسلامية كل شيء من خلال جواسيسها والبيانات التي نهبتها من البنوك ومكاتب السجل العقاري ومكاتب الصرافة. وهي تعرف من يملك المنازل والحقول، ومن لديه الكثير من الأغنام أو الكثير من المال. وقد يكون السكان غير راضين، ولكن ليس هناك فرصة كبيرة بأن يستطيعوا تنظيم وتسليح أنفسهم، والتمرد على داعش.

وبينما يتركز اهتمام الغرب في المقام الأول على احتمال وقوع هجمات إرهابية، تم التقليل من أهمية سيناريو مختلف، وهو الحرب التي تقترب بين المسلمين الشيعة والسنة. وسوف يسمح مثل هذا الصراع للدولة الإسلامية بأن تخرج من عباءة كونها منظمة إرهابية مكروهة لتصبح قوة مركزية.

وفي مثل هذا السيناريو، قد تقترب دعاية الدولة الإسلامية حول نهاية العالم من أن تصبح حقيقة واقعة. وقد يكون من الممكن إنشاء ديكتاتورية استبدادية كاملة باسم الله.

كريستوف رويتر – دير شبيغل (التقرير)